إن من حقوق ذات الإنسان أن يحفظ نفسه فيستوفيها في طاعة الله، فيؤدي إلى لسانه حقه، وإلى سمعه حقه، وإلى عينيه حقها، وإلى يديه حقها، وإلى رجليه حقها، وإلى بطنه حقه، وإلى فرجه حقه، ويستعين بالله على ذلك. وأما حق اللسان فإكرامه عن الخَنَى وتعويدُه على الخير، وحملُه على الأدب وحسن الخلق، وإجمامه إلا لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا، وإعفاؤه من الفضول الشنعة القليلة الفائدة التي لا يؤمن ضررها مع قلة عائدتها، ومنعه من الخوض في أعراض أهل القبلة وكل الناس لأنها تعود على صاحبها بالويل والثبور وسوء الخاتمة، وتزيينه بذكر الله تعالى والصلاة والسلام على حبيب الله سيدنا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وأما حق السمع فتنزيهه عن أن تجعله طريقا إلى قلبك، إلا لفوهة كريمة تُحدث في قلبك خيرا أو تُكسب خلقا كريما، فلا تسمع لمغتاب للناس ولا لماش بالنميمة، ولا لمن جعل نفسه قاضيا على الناس يخوض في أعراضهم بالتكفير والتبديع وإلصاق التهم بهم، وتزينه بسماع القرآن الكريم وكل قول حسن وكل خير وفضل يعود بالخير على الفرد والأمة. وأما حق البصر فغَضُّه عما لا يحل لك وترك ابتذاله إلا لموضع عِبرةٍ تستقبل بها بصرا، أو تعتقد بها علما، أو تزداد بها لربك حبا وشوقا أو منه قربا وله طاعة، فإن البصر باب الاعتبار. وأما حق اليد فأن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك، فتنال ببسطها بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الآجل ومن الناس بلسان اللائمة في العاجل ولا تقبضها مما افترض الله عليها، أنفق بها على الفقراء، وامسح بها رأس اليتيم، وصافح بها أخاك، وامسك بها يد والديك لتقبلهما، وافتح بهما كتاب ربك لتتلو آياته، وافعل بهما كل خير يعود عليك وعلى أمتك بالنفع العميم والخير الكثير، أي أن توقرها بقبضها عن كثير مما لا يحل لها، وتبسطها إلى كثير مما ليس عليها؛ فإذا هي قد عقِلت وشُرفت في العاجل وجب لها حسن الثواب من الله في الآجل. وأما حق البطن فأن لا تجعله وعاء لقليل من الحرام ولا لكثيره، وأن تقتصد في الحلال ولا تخرجه من حده إلى التخمة التي تثبط الهمة وتورث الكسل وتقعد عن كل بر وكرم. وأما حق الرجلين فأن لا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك، ولا تجعلهما مطيتَك في الطريق المُسْتَخفةِ بأهلها فيها، فإنها حاملتك وسالكةٌ بك مسلك الدين والسَّبَق لك، فامش بها إلى الجُمَع والجماعات في المساجد والخير للناس وطلب العلم وكل ما يقربك من الله ويبعدك عن الشر. وَأَمَّا حَـقُّ الفَرْجِ فَحِفْظُهُ وصيانته عن الحرام ومِمَّا لا يَحِلُّ لَكَ، والابتعاد عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وَالاسْتِعَانَةُ على ذلك بغَضِّ الْبَصَرِ – لأن النظر بريد الزنا-، وذكر الموت، واستحضار مراقبة الله تعالى في كل الحركات والسكنات، والدعاء. وصدق الله تعالى القائل في محكم التنزيل مبينا صفات المؤمنين: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ ﴿المؤمنون﴾.
جميع حقوق الطبع والنشر © 2023 aboulyossr.com