1-المنهج الوصفي: هو المنهج الذى يعتمد على دراسة الظاهرة كما توجد في الواقع، ويهتم بوصفها وصفا دقيقا ويعبّر عنها كيفيا بوصفها وبيان خصائصها، وكميا بإعطائها وصفا رقميا من خلال أرقام وجداول توضح مقدار هذه الظاهرة أو حجمها أو درجة ارتباطها مع الظواهر الأخرى. وهو عملية تُقدَّم بها المادة العلمية كما هي. ولذلك فإنه يكون في نهاية المطاف عبارة عن دليل علمي. فالمنهج الوصفي إذن يقوم على استقراء المواد العلمية التي تخدم إشكالا ما أو قضية ما وعرضها عرضا مرتبا ترتيبا منهجيا، وقد يكون الوصف تعبيريا فيسمى "العرض"، أو يكون رمزيا فيسمى "التكشيف". وهو أيضا يقوم على الظواهر الطبيعية أو الاجتماعية وصفا لها، للوصول بذلك إلى إثبات الحقائق العلمية. والمنهج الوصفي مكمل لمنهج الاسترداد التاريخي الذي يصف الظواهر في تطورها الماضي حتى يصل بها إلى الوقت الحاضر. ولهذا يكاد المنهج الوصفي يشمل كافة المناهج الأخرى باستثناء المنهجين التاريخي والتجريبي، ذلك لأن عملية الوصف والتحليل للظواهر تكاد تكون مسألة مشتركة وموجودة في كافة أنواع البحوث العلمية. والباحث حينما يستخدم المنهج الوصفي، لا يقوم بحصر الظواهر ووصفها جميعها، وإنما يقوم بانتقاء الظواهر التي تخدم غرضه من الدراسة ثم يصفها ليتوصل بذلك إلى إثبات الحقيقة العلمية. 2- المنهج التاريخي: وهو يعتمد على التوثيق والتفسير للحقائق التاريخية؛ حيث يقوم هذا المنهج على تتبع ظاهرة تاريخية من خلال أحداث أثبتها المؤرخون أو ذكرها أفراد على أن يُخضع الباحث ما حصل عليه من بيانات وأدلة تاريخية للتحليل النقدي للتعرف على أصالتها وصدقها. وهي ليست فقط من أجل فهم الماضي بل وللتخطيط المستقبلي أيضاً. وفي البحوث التاريخية عن الأحداث والشخصيات يجب أن يلتزم الكاتب بعرض المادة التاريخية عرضاً أميناً وموضوعياً بعيداً عن الأسلوب الأدبي من حيث المبالغة والتهويل والربط الموضوعي بين الأحداث. 3- المنهج التوثيقي: وهو طريقة بحث تهدف إلى تقديم حقائق التراث، جمعا أو تحقيقا أو تأريخا. فالملاحظ من خلال التعريف أن المنهج التوثيقي يجمع بين ثلاثة معان، بعضها يخدم بعضا. وتفصيلها كما يلي: أ- الجمع: أي جمع أطراف أو أجزاء جسم علمي ما، متناثرة في أحشاء التراث، وإعادة تركيبها تركيبا علميا متناسقا. وأهم خطوات طريقة الجمع هي كالتالي: أولا: الإستقراء التام للمادة في مظانها؛ وذلك بتتبع جميع المصادر التي ذكرت الكتاب المفقود أو الكتاب أو صنفت في نفس المجال العلمي، أو تطرقت إلى بعض قضاياه، بدأ بعصر المؤلف حتى عصر الباحث. ثانيا: التوثيق: لا بد قبل توثيق المادة من تصنيفها أو تكميل تصنيفها، ذلك أن الجمع الإستقرائي عادة ما يكون عملا مصنفا للمادة، والمقصود بالتصنيف هنا توزيع المادة العلمية وتجزيئها حسب مقاصدها الجزئية. ولا بد في التوثيق من الإستفادة من منهج المحدثين في النقد ومنهج الأصوليين في التعديل والترجيح. ب-التحقيق: وهو الصورة الثانية للمنهج التوثيقي، ويقصد به: بذل غاية الوسع والجهد لإخراج النص التراثي مطابقا لحقيقة أصله نسبة ومتنا مع حل مشكلته وكشف مبهماته. ت- التأريخ: أما استعمال المنهج التوثيقي بمعنى التأريخ، فيقصد به الوظيفة الإستردادية أساسا، لأن مهمة المنهج التاريخي أن يقوم بوظيفة مضادة لفعل التاريخ في محاولته لاسترداد ما كان في الزمان، ويمكن أن يستعاد نظريا بنوع من التركيب ابتداء مما خلفه من وقائع، وذلك بالاعتماد على الآثار المتخلفة عن الأحداث التاريخية "الوثائق" التي يعتمد عليها هذا المنهج اعتمادا كبيرا. 4- المنهج الاستقرائي: وهو منهج يقوم على التتبع لأمور جزئية مستعانا على ذلك بالملاحظة والتجربة وافتراض الفروض لاستنتاج أحكام عامة. ويسمى بالمنهج التجريبي؛ لأنه يستند في تحليلاته إلى الملاحظة والتجربة وافتراض الفروض. وقد أضاف المسلمون إلى مسلك المنهج الاستقرائي مسلك العلة بالطرق الموصلة إليها: من سبر وتقسيم، واطراد، ودوران، وتنقيح مناط.. وينقسم إلى قسمين: استقراء تام: وهو ما يقوم على حصر جميع الجزئيات للمسألة التي هي موضوع البحث، والتتبع لما يتعرض لها، مع الاستعانة بالملاحظة في جميع جزئيات المسألة. واستقراء ناقص: وهو ما يقوم على الاكتفاء ببعض جزئيات المسألة وإجراء الدراسة عليها بالتتبع لما يتعرض لها والاستعانة بالملاحظة في هذه الجزئيات المختارة، وذلك لإصدار أحكام عامة تشمل جميع جزئيات المسألة التي لم تدخل تحت الدراسة. ويتميز كتاب "الموافقات" للإمام الشاطبي -رحمه الله- باعتماده المنهج الاستقرائي للاستدلال على القواعد والمسائل الأصولية والمقاصدية والإمام الشاطبي حدد منذ بداية كتابه المنهج الذي سيسلكه ويعتمده فقال: «ولما بدا من مكنون السر ما بدا، ووفق الله الكريم لما شاء منه و هدى، ولم أزل أقيد من أوابده، وأضم من شوارده تفاصيلا وجملا، وأسوق من شواهده في مصادر الحكم وموارده مبينا لا مجملا، معتمدا على الاستقراءات الكلية، غير مقتصر على الأفراد الجزئية، ومبينا أصولها النقلية بأطراف من القضايا العقلية، حسبما أعطته الاستطاعة والمنة، في بيان مقاصد الكتاب والسنة». والمتتبع لكتاب الموافقات يظهر له بجلاء التزام الشاطبي بالمنهج الاستقرائي حتى إننا لا نكاد نجد قاعدة من القواعد العامة أو كلية من الكليات التي بحثها في كتابه هذا إلا وقد دلل لها –من جملة أدلتها- بالاستقراء. سواء اكتفى في ذلك بالقول بأن تلك القاعدة أم الكلية محل الاستدلال قد ثبتت باستقراء موارد الشريعة ومصادرها من غير إيراد الجزئيات المستقرأة، أو إيراد طرف من تلك الآحاد المستقرأة. أ- الاستقراء التام و الناقص عند الإمام الشاطبي: جرى الشاطبي على التقسيم المعروف للاستقراء إلى استقراء تام واستقراء ناقص. أما الاستقراء التام، فالشاطبي – كغيره من العلماء والمناطقة- يرى أنه يفيد القطع. وقد صرح بذلك في مواطن ، منها: 1. كون حقوق الله تعالى لا ترجع إلى اختيار المكلَّف، ومن ثمّ لا يمكن لأحد إسقاطها، حيث يقول: «أما حقوق الله تعالى؛ فالدلائل على أنها غير ساقطة ولا ترجع لاختيار المكلَّف كثيرة، وأعلاها الاستقراء التام في موارد الشريعة ومصادرها ...» . 2. إثبات أن مورد التكاليف الشرعية هو العقل، حيث قال:«... والثالث: أن مورد التكليف هو العقل، وذلك ثابت قطعا بالاستقراء التام، حتى إذا فُقد (أي العقل) ارتفع التكليف رأسا» .أما الاستقراء الناقص، فإن الشاطبي يرى أنه نتيجة الاستقراء قد تكون قطيعة وقد تكون ظنية، حيث يقول:«إن الاستقراء هكذا شأنه؛ فإنه تصفح جزئيات ذلك المعنى ليثبت من جهتها حكم عام، إما قطعي، وإما ظني». إثبات مقاصد الشريعة؛ فلقد أثبت الإمام الشاطبي –رحمه الله- أن مقاصد الشريعة بمراتبها الثلاث: ضروريات، حاجيات، تحسينيات مرعية في الشريعة الإسلامية على أساس منهج الاستقراء، فقال: «وذلك أن هذه القواعد الثلاث لا يرتاب في ثبوتها شرعا أحد ممن ينتمي إلى الاجتهاد من أهل الشرع، وأن اعتبارها مقصود للشارع، ودليل ذلك استقراء الشريعة، والنظر في أدلتها الكلية والجزئية، وما انطوت عليه من هذه الأمور العامة، على حد الاستقراء المعنوي الذي لا يثبت بدليل خاص، بل بأدلة منضاف بعضها إلى بعض، مختلفة الأغراض، بحيث ينتظم من مجموعها أمر واحد تجتمع عليه تلك الأدلة». 5- المنهج الحواري: في الاصطلاح المنهجي يقصد بالحوار العملية العلمية المبنية على الأخذ والعطاء، أو التقابل والتناظر بين قضيتين أو أكثر. إنه نسق مبني على رصد علاقات الإختلاف، أو الائتلاف في الدراسات المقارنة والوظيفية والجدلية. فالمنهج الحواري إذن منهج يقوم على دراسة التفاعل الحاصل بين القضايا العلمية من خلال الصور المذكورة. 6- المنهج التحليلي: وهو منهج يقوم على دراسة الإشكالات العلمية المختلفة: تفكيكا أو تركيبا أو تقويما، فإن كان الإشكال تركيبة منغلقة، قام المنهج التحليلي بتفكيكها وإرجاع العناصر إلى أصولها. أما إذا كان الإشكال عناصر مشتتة؛ فإن المنهج يقوم بدراسة طبيعتها ووظائفها ليركب منها نظرية ما، أو أصولا مانأو قواعد معينة. كما يمكن أن يقوم المنهج التحليلي على تقويم إشكال ما، أي نقده. ويتلخص المنهج التحليلي في عمليات ثلاث قد تجتمع كلها أو بعضها في العمل الواحد، وهي: التفسير: أي التفكيك؛ والنقد: أي التقويم؛ ثم الإستنباط، أي التركيب. أما تفصيل ذلك فهو كمــا يلي: أ- التفسير: وهو عرض الأعمال العلمية على سبيل التأويل والتعليل، وهو عمل علمي جليل؛ ذلك أن التراث الإسلامي اليوم محتاج فيما هو محتاج إليه، إلى فهم صحيح لمقاصده من خلال مصطلحاته ونظرياته. وعليه فإنه من الممكن أن نتصور العملية التفسيرية على مستويين: الأول بسيط والثاني مركب. أما المستوى البسيط فهو شرح القضايا العلمية بتحليل نصوصها وتأويل مشتبهاتها بحمل بعضها على بعض تقييدا وإطلاقا، أو تخصيصا وتعميما. أما المستوى المركب فهو محاولة تعليل الظواهر بإرجاع القضايا إلى أصولها، وربط الآراء بأسبابها وعللها. ب- النقد: إن النقد هو عملية تقويم وتصحيح وترشيد، وهو كذلك محاكمة إلى قواعد متفق عليها أو إلى نسق كلي. ت- الاستنباط: والمراد به هنا الإستنساخ الإجتهادي والتجديد العلمي، أو التأمل في أمور جزئية ثابتة لاستنتاج أحكام منها. وعليه فإنه بالإمكان أن نصنف صور الاستنباط إلى نوعين: النوع الأول: الإستنباط الجزئي وهو الإجتهاد المتعلق بقضايا جزئية في أحد المجالات العلمية، على أساس الابتكار والتجديد. النوع الثاني: الإستنباط الكلي: وهو الإجتهاد المتكامل الأجزاء، الشمولي النظرة، الذي يهدف إلى "تركيب" أو "وضع" نظرية علميــة. أمــا "التركيب" فهو سبك المادة العلمية التراثية في نسق يجعل منها وحدة متكاملة، بشرط ألا تكون النظرية قد عرفت عند أحد القدماء. وأما "الوضع" فهو الإنشاء الإبتدائي لنظرية علمية في مجال ما، أي ابتكارها كليا على أساس إشكال جديد. المراجع: - أبجديات البحث في العلوم الشرعية، للدكتور فريد الأنصاري. - منهج البحث في الدراسات الإسلامية تأليفا وتحقيقا للدكتور فاروق حمادة. - المنهج الاستقرائي عند الإمام الشاطبي (مقال)، للدكتور عبد العالي المتقي.